سبت أسود" في غزة.. جثث بلا رؤوس وأطراف متطايرة
غزة - وكالة معا
ما إن تطأ قدمك مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، حتى ترى الموت مخيما على جنبات المكان وفي كل ركن من أركانه، فرائحة الموت تزكم الأنوف والجثث المقطعة والملقاة على الأرض نظرا لازدحام ثلاجات الموت، وعدم قدرتها على استيعاب المزيد منهم تشعرك بأن عجلة الزمن توقفت عند هذه الجثث، ومن يحيط بهم من ذويهم وأحبائهم الذين افترشوا الأرض بجانبهم يبكونهم ويضربون الأرض بأيديهم من هول ما أصابهم.
فهنا رجل يحمل طفله الذي لم يتجاوز السبعة أعوام في قطعة من الكرتون، بعد أن نفذ ما لدى المشفى من أغطية، ليعود به للمنزل استعدادا لدفنه، وهناك رجل آخر وصل به الجنون من هول الصدمة أن يحدث ابنه محمدا الذي صعدت روحه إلى السماء في مبنى الجوازات.
وهناك أب جلس بالقرب من جثة ابنه مقطوع الرأس وأخذ يصرخ ويضرب رأسه بالأرض، وتلك أم أخرستها الفاجعة فأخذت تشير للرجال كي يسقوها شربة ماء علها تفيقها من كابوس مزعج فتعيد لها فلذة كبدها.
ورغم صعوبة الحديث مع المتوافدين على مجمع الشهداء الذين انشغلوا بالتعرف على جثث ذويهم وتفتيش جيوبهم لعلهم يعرفون من صاحب هذه الجثة، بعد أن تقطعت رؤوسهم وطارت أطرافهم، ولم يبق من أجسادهم إلا الجزء اليسير بفعل الصواريخ التي انهالت بالعشرات على مناطق متفرقة من قطاع غزة، إلا أن "معا" حاولت النزول إليهم والحديث مع الذين أخذت ألسنتهم تلهج بذكر الله محتسبين عند الله أبناءهم شهداء، إلا أنهم صبوا جام غضبهم على ما وصفوه بالصمت العربي المقيت حيال ما تعرض له قطاع غزة من مجزرة.
المواطن رأفت شامية المكلوم برحيل أخيه اتهم الأنظمة العربية بالتضحية بالشعب الفلسطيني، وتركه وحده يواجه الحصار والموت البطيء حتى جاء القرار الإسرائيلي بالإعدام الجماعي لهم، الذي لم يستغرق ثواني حتى أتت إسرائيل على جميع مقرات الأجهزة الأمنية وما يحيط بها من منازل مواطنين.
أما الطفل يحيى أيمن -12 عاما- الذي أخذ يركض مذهولا وينادي أباه الذي حاول إبعاده كيلا يرى أخاه وعمه وهما أشلاء، وهو يقول "أبي أين أخي وعمي.... أود أن أودعهم لست خائفا".
يحيى محيسن الذي أخذ يقلب في جثث الضحايا، وهو يبحث عن ابنه فيقول "مهما فعلت إسرائيل لن تهزمنا ولن تضعفنا، ولن يأتي علينا ما هو أسوأ من ذلك، فإسرائيل أعلنتها حربا ونحن لا نريد الحياة الدنيا".
المواطنة نوال اللدعة -40 عاما- التي فشلت كافة جهودها في التعرف على ابنها وأخيها بين الأكوام المتكدسة من الجثث وقفت ترفع يدها إلى الله طالبة الصبر على ما أصابها، مؤكدة أن هذا درب وخيار الشعب الفلسطيني.
أما الطالب الجامعي حسام فرج الله، والذي كان يراقب أحد ذوي الضحايا وهم يخلونه من أرض المشفى استعدادا لدفنه، فقد وصف ما جرى بأنه "اليوم الأسود" في حياة الفلسطينيين والمسلمين والعرب، فقد عبر عن حالة الصدمة التي أصابته لدى تلقيه الخبر فلم يصدق ما يسمع إلا بعد أن توجه لمجمع الشفاء، متهما المجتمعين العربي والدولي بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لقتل أهل قطاع غزة.
من جانبهم تحدث رجال الإسعاف عن صدمتهم مما شاهدوه، مؤكدين أن أغلب الضحايا من المدنيين من أطفال ونساء، وأن معظمهم وصلوا أشلاء مقطعة، لافتين إلى ما واجهوه من صعاب أثناء إخلاء الجثث.
وأكد أحد رجال الإسعاف أن طواقم الإسعاف ما زالت تعمل على إخراج عشرات الجثث المحتجزة تحت أنقاض المقرات الأمنية التابعة للحكومة المقالة التي دمرتها إسرائيل بالكامل على رؤوس من فيها.
كما تحدث الأطباء في مجمع الشفاء الطبي بأن عدد الضحايا والجرحى يفوق إمكانات المشفى، الذي يسعى بكل الوسائل إلى تقديم الإسعافات اللازمة لمن وصفت إصابته بالخطيرة، نظرا لارتفاع عدد ضحايا القصف من النساء والأطفال.